لقد مرت علينا الكثير من أدبيات الحوار وكانت في غالبيتها تناقش مستويات حدة الحوار وكيف نعمل على التحكم بها لألا تخرج عن السيطرة .. ويؤدي الحوار الفكري الى ظهور حالات حوار عنف جسدية أو كلامية , لكن ينقصنا دائماً أن نستنتج أن الحوار له هدف مهما إختلفنا أو تعصبنا أو تراخينا ..
إنه الوصول إلى الحقيقة .. وهذه أطول الطرق وأشدها وعورة خاصةً مع تمسك الأطراف بأرائها أو مصالحها والتي نتيجة لطبيعة الإنسان لن تتفق مهما اتفقت ..
إن الحوار له أدبياته التي تفرُغ أحيانا الى الإستطراد والخروج عن الموضوع لحل مشكلة أو توضيح فكره ثم العودة مرة أخرى الى الموضوع العام , حتى قد يخرج الحوار من محور الى محور .. ولا يكون ذلك بشعا أبداً إلا إذا خالطثه السخرية بالفكرة , ولأن كثيراً منا لم يتعود على طول النقاش والصبر عليه فقد يمل ويظن أن الحوار وصل إلى نهايته .. أو لن يصل إلا بإثارة السخرية ! أو التجاهل وإمتهان الفكرة .
عموماً ...
الحوار التفكير النقاش الإختلاف والجدال ... مرادفات كثيرة للتفاعل التي يمكن أن نجعلها إيجابية بين البشر
وتبقى هناك مرادفات لاتقل أهمية في أي تفاعل بيننا وأهمها التنازل .. التريث .. التعاطف ..و قبول الآخر .. بل حتى التجاهل الذكي عن بعض إشارت الحوار التي تتعمد تفكيك الموقف بإثبات جهل أو عجز للطرف الآخر فإن التجاهل لمثل هذه التصرفات تساعد كثيراً في الوصول بمركب الحوار إلى الضفة الآمنة ..
والتي تحفظ للطرفين الحقوق الخمس الكبرى دون مساس .. وهذه غاية وهدف أي حوار في العالم وتسعى الى خلق أوجه جديدة للتفاعل غير تلك التي فشلت في ساحةٍ مَّا ..
تكمن صعوبة الحوار حين يتسلط الأقوى ويتمسك بقراراته .. فلا يُعقل أن نكون بأيدينا مستنسخات عن التصرفات الفاشلة التي لطالما إنتقدناها وطال ضررها
كتمسك الرئيس اليمني بالوحدة .. وأغلق كل أبواب الحوار التي تؤدي الى نجاحها فغدت الوحدة حملاً ثقيلاً على الأنظمة والشعب .. وأدت الى التفرقة بعكس مسماها .. وأكسبت الأطراف مزيداً من التفكير المستقل تحقيقاً للذات التي نهشت بها قرارات الرئيس وأنظمته .
فبتقريب المجهر أكثر نراه إتخذ مجموعة قرارات أجبر نفسه عليها بينما يمكنه تقديم التنازلات وإيجاد حلول بديلة .. لكنه إختار التمسك بالوحدة .. وتجاهل كل مسالك كسب الطرف الآخر ..
وهنا لايكون هذا النوع من التفاعل بين الرئيس والحراك الجنوبي ... يخدم أياً من الطرفين ,
بل أصبح مواجهة بعيدة كل البعد عن التفاعل الذي يجب أن يكون .. وتحصر الحراك في مواقف يأبى إلا رفع صوته ومضايقته .. بما كسبت يداه .
ونعلم كم أصبحت تصعب المواجهة بين الطرفين .. وكم هو مقلق إستمرار ترقب الأوضاع .. لأن أركان الحوار بدت كصورة مفككة سوداء يصعب جمع أوراقها
فمثلاً : أول قاعدة علمية نظرية وتطبيقية للحوار هي
أن الطرفين في الحوار يجب أن يعترفا أولا بوجود المشكلة وتسميتها بالمسمى الحقيقي الدقيق لها .
بينما نرى أن اليمن في صورة الرئيس لا تعترف أبداً بوجود مشكلة ... فضلاً عن تسميتها بالمسمى السياسي الدقيق لها .
أيضاً : الطرفين ملزمان بالمواجهة .. أو نصب متحدث ينوب في الحوار .. ونجد أن الرئيس به من الجهل أن موقفه يدعم موقف الجنوب .. من حيث أن رفضه للحوار لا يبرره سوى أمرين .. أن يكون متأكداً مسبقا من عدالة القضية فاختار التواري حتى لا تضغط عليه المواجهة وأستتر خلف عمليات عسكرية شرسة .. لا إنسانية تضع حدوداً جبارة مؤلمة تقطع أي سبيل للحوار .
أو أن يكون الرئيس خشي أنه في حال أُ قيمت جلسات الحوار وتوصل الحوار الى الحلول البديلة فإنه لايملك القدرة على الإتيان بتلك البدائل العادلة التي يقبل بها الحراك وتخفف الكثير من الضغط على الطرفين .
وهناك رأي ثالث .. وهو الرأي الملازم له مع كل عملية إنتخابية حتى أصبحت حالة مرضية تُعرف بمتلازمة الصالح .. وهي الكبر والغطرسة وأن كل شيئ في مكانه السليم وكل الأمور جيدة .. بينما هي في حقيقتها تسير من تردي إلى تردي أكبر منه وتؤول الأمور التي تخص المجتمع والإقتصاد اليمني إلى تفكك كبير عن مسار الدول الصحيح .
إذاً فلا يُلام الحراك أبداً في نضج مكوناته بل يُلام صانع الحراك الأول وهو سياسة الصالح المستمرة مع الجنوب .
وإذا ما أخذنا من سيئات هذة التصرفات وجعلها دروس أمام الحراك فتحولنا إلى المهام التي لازالت الرؤيا فيها غير واضحة في برنامج الحراك .. نجد أنه من اللَّازم علينا جميعاً أخذ الدروس من عمليات الإقصاء والتعنت فيما بين السلطة والجنوب .. وتطبيقها في آلية التعامل مابين القرارات والقادة والشعب حتى لا يصبح الوضع الداخلي في الجنوب صورة أخرى من صور التجاهل ورفض الأصوات .. وهنا يُخشى أن يتحول الحراك الى أداة شعبية بقيادة نخبة جديدة يصنعها هو بيده .. لتقوده الى العالم الجديد .. وتكون الخلافات التي تتحدث عنها منابر الإعلام الجنوبي تغذي تمرد الشعب على قادته وبحثه عن البدائل التي تسرع به إلى تحقيق ونيل مطالبه الإستقلالية .
01-09-2010